كتبت هذه المراجعة بعد عرض الدراما بأيام وتأخرت كثيرا بنشرها
دراما الصحفية أو حسب العنوان الإنجليزي The Journalist
دراما عرضت على منصة نتفلكس في 13 يناير 2022. مقتبسة عن فيلم لنفس المخرج (ميتشيهيتو فوجي) وبنفس العنوان عرض في 2019 وحصل على عدة جوائز مهمة في اليابان.
الفيلم بحذ ذاته مقتبس عن كتاب غير خيالي كتبته الصحفية إيسوكو موتشيزوكي والذي صنع منه فيلم وثائقي أيضا عرض في 2019.
القضية الأساسية التي تتمحور حولها قصة الدراما بحد ذاتها قصة حقيقية. بيع قطعة الأرض بسعر بخس من الحكومة إلى منشأة مدارس أهلية تدعى موريموتو غاكوين في الدراما تم تغيير اسمها إلى "أكاديمية إيشين"، كلمة "غاكوين" تترجم إلى أكاديمية بالعادة.
المسؤول الأول عن بيع الأرض كان رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي وزوجته، والدراما هنا أظهرت لنا هذا الشيء بوضوح من دون مواربة وعلى عكس الفيلم أظهرت القصة بشكل واقعي أكثر وأن المدرسة تحمل مشكلة إضافية إلى جانب شراء الأرض بسعر مخفض غير قانوني هو منهجها الذي يميل للفكر القومي الياباني بالأخص التعاليم التي كانت سائدة أيام الإمبراطورية اليابانية.
كل هذا واقعي وحصل بالواقع فعلا ومن ضمنه الكشف عن الفضيحة بواسطة أساهي شيمبون (صحيفة أساهي).
على ما يبدو هذه النقطة المهمة غابت عن الكثير ممن تابعوا الدراما أن أساس القصة حقيقي وهو شيء مذهل حقاً نظرا لأن اليابان من أوائل الدول ذات النظام الديموقراطي وأن يكون لرئيس الوزراء مكتب يعمل على تلميع صورته وكذلك تشويه صورة معارضيه لهو تعارض صارخ لكل ما هو ديموقراطي.
لن أعلق على الجانب السياسي كثيرا فهذه الممارسة على ما يبدو شائعة في هذا الزمن ولا تقتصر على السياسيين أو المنظمات فقط مما يجعل الأمر مخيفا حقاً إذا حاولنا التعمق به.
مسألة الفساد الإداري مؤلمة جدا وأي شخص من بلد يتفشى فيه هذا المرض البائس الوضيع سيعلم مدى الألم والظلم الذي تشعر به شخصيات الدراما. لكن المؤلم حقا عندما تعلم أن الفاسدين في بلدك لا يمتلكون ذرة من الضمير الذي أظهره بعض شخصيات الدراما مع بالغ الأسف.
الفساد وانعدام الذمة والضمير من أكثر الأشياء وضاعة والأبعد عن الإنسانية وحتى الحيوانات ليس لديها ذلك الدافع القذر لكسب المال بمثل ما يفعله الفاسدين لأنهم حرفيا لا يهتمون لسواه، لا دين لا قانون ولا حتى سمعة مجرد قذارة متراكمة وطبقات من التبلد المادي والجشع الخالي من أي إحساس تملكه الكائنات الحية.
الفاسدون مجرد قشور تمتلك شهوات بشرية لكنهم ليسوا بشرا حقاً.
أعود للدراما بعد هذا الاستطراد الطويل...
تصنيف هذه الدراما درامي بحت على خلاف انتاجات نتفلكس التجارية الموجهة للاثارة والمتعة "الماين ستريم"..
وأرى أن رسالتها مهمة أكثر من أي عمل آخر. قد يرى البعض في كلام شخصياتها شيء من الابتذال لكني أعتقد العكس بل من الخطأ الاعتقاد أنه مبتذل عندما يقول الموظف الحكومي ويكرر (أن عمله خدمة الشعب) يجب أن يردد الموظفين هذا الكلام من أصغرهم إلى أكبرهم ويجب أن يكون واجبا وتذكيرا يفتخر به، الابتذال هو التصرف بمكر والتكبر على المواطنين والظن أن الطريق الأسهل هو الأفضل بينما هو الفساد بعينه.
أحببت الممثلين هنا، ريوكو يونيكورا بدور آنا ماتسودا قدمت أداء محترف للدور مع أني أشعر أن الدور كان يحتاج ظهورا أوسع ربما؟ أشعر أن المجهود الحقيقي للشخصية لم يظهر بالشكل الكامل بطريقة ما لكن مع ذلك يظل حضورها طاغيا ولهذا اختيار يونيكورا كان مناسبا جدا لاسيما مع سمعتها بتأدية أدوار المرأة القوية التي تتفوق على زملائها الذكور في العمل.
غو أيانو هنا بدور عكس دوره في درامته الأخيرة (انهيار) التي كانت من نفس المخرج أيضا، في تلك الدراما يحارب الجهات الفاسدة بالحكومة ومن بينهم المكتب التابع لرئيس الوزراء لكن هنا في (الصحفية) أخذ دور شخص يعمل لهذا المكتب. والفرق بين الشخصيتين سواء من ناحية الكتابة أو أداء أيانو ومظهره مذهل حقاً.
لهذا لا أشعر بالملل عند مشاهدة أعمال متتالية لأيانو لأنه مختلف تماما من دور لدور. مشهد مواجهته للشخص الفاسد في المكتب كان مؤثرا وتدرج تحوله وانغماسه بعالم الخوف والقلق قدم فيه أفضل أداءات هذه السنة منذ بدايتها.
الممثل الشاب الصاعد ريوسي يوكوهاما في دور يمثل شباب المجتمع الياباني الذين لا يبالون بالأخبار والسياسة ويتبعون ما يقرؤونه على الإنترنت كمصادر للمعلومات كان دورا إضافيا لم يظهر بالفيلم أضاف الكثير للعمل برأيي وقدم وجهة نظر ممتازة لوضع الشباب بإمكاني القول إنه يشابه بعدة أوجه الشباب حول العالم لاسيما جهوده بالحصول على عمل بعد التخرج وإهماله لهذا الجانب ومن ثم حصوله على شغفه بعد مواجهة العالم الحقيقي...
أحببت أيضا أن العمل أظهر لنا أطراف خيوط القصة في أول حلقتين ليظهر لنا النسيج كاملا في الثالثة مما جعل القصة مترابطة ومتماسكة. نهاية الحلقة الثالثة بالذات وإظهار الحزن للحدث الظالم كان مؤثرا وفعالا ووصل لي الإحساس كاملا حتى الموسيقى كانت ممتازة في نهاية المشهد.
الثقل الذي شعرت به في بداية مشاهدتي للعمل اختفى تماما بعد الحلقة الثالثة وأنهيت العمل بسرعة لم أتوقعها وأصبح من أعلى الدرامات تقييما بين ما شاهدت حتى الآن.
الثقل الذي شعرت به أول حلقتين كان لشعوري بعدم ترابط الشخصيات والذي ينجلي تماما بنهاية الحلقة الثانية.
أحب كل الأصناف من الدراما اليابانية (تقريبا) لكن يظل الصنف الواقعي أقربها إلي، ما أراه من احترافية واحترام للمشاهد فيها يشعرني بالانبهار ويعزز لدي مشاعر التقدير نحوها.
أكرر أعلم أن البعض سيرى هذا العمل مملا كما هو حال بعض الدرامات اليابانية، أرجو بمرور الوقت أن يدرك بعض هذا البعض فحوى وأهمية هذه الأعمال لكن أظن الأمر يحتاج تصادما مع الواقع واقتراب كبير منه قبل ذلك.
مهما كان سبب متابعة الأفلام والمسلسلات لأجل الهروب من الواقع تظل الأعمال التي تواسينا وتمنحنا رؤية لتشابهها في كل مكان من العالم وتلقي ضوء على تشابه معاناة البشر في مختلف أجزاء العالم هو ما يمنح قيمة لهذا النوع من الفن.
0 comments:
إرسال تعليق